بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة المباركة أن جعل لها مواسم وأزمنة يتضاعف فيها
العمل والأجر ، ومن هذه الأزمنة شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، إن فيه ليلة عظيمة شرفها الله في كتابه ، أنزل سورة كاملة باسمها ، وأنزل في هذه الليلة القرآن الكريم ، إنها تعدل ألف شهر ، وإن نزول الملائكة فيها أكثر من حصى الأرض .
إنها ليلة من حرمها فقد حرم الخير كله ، وإن من أدركها فقد فاز ورب الكعبة .
إنها ليلة يتجدد فيها عمر الإنسان ويحس فيها باللذة الروحانية التي لا يعدلها شيء ، نعم كل ذلك لأنها تعدل ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر ، ويغفر فيها ذنوبا لعبد المتقدمة والمتأخرة فلا يفرط فيها عاقل ولا يتهاون في أمرها إلاّ غافل ومحروم .
إنها هبة ومنة وبركة من الله لهذه الأمة القصيرة أعمارها ، وهذا فضل لا يوازيه فضل ، ومنة لا يقابلها شكر .
معنى القدر :القدر :القضاء الموفق ، يقال : قدّر الإله كذا تقديراً ، وإذا وافق الشيء الشيء قلت : جاءه قدره .
قال ابن سيده : القدر والقدر القضاء والحكم وهو ما يقدره الله عز وجل من القضاء ويحكم به من الأمور ، قال الله عز وجل : " إنا أنزلناه في ليلة القدر " .
لماذا سميت بليلة القدر ؟ :
1. لأن الله يقدر فيها الأرزاق والآجال وحوادث العام كلها ويرفع ذلك للملائكة لتمتثله كما قال الله : " فيها يفرق كل أمر حكيم " .
2. نقل عن الزهري رحمه الله أنه قال : ليلة القدر ليلة العظمة والشرف من قولهم : لفلان قدر عند فلان أي منزلة وشرف ويدل عليه قوله تعالى : " ليلة القدر خير من ألف شهر "
3. سميت بذلك لأنها تكسب من أحياها قدراً عظيماً لم يكن له قبل ذلك وتزيده شرفاً عند الله تعالى .
4. سميت بذلك لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً .
5. سميت بذلك لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر على رسول ذا قدر على أمة ذات قدر .
6. لأن الله ينزّل فيها الخير والبركة والمغفرة .
فضائل ليلة القدر :
1. أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية للناس وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة .
2. تعظيم وتشريف ليلة القدر ، ودل على ذلك الاستفهام في قوله تعالى : " وما أدراك ما ليلة القدر "
3. أنها خير من ألف شهر .
4. أن الملائكة ينزلون فيها ، وهم لا ينزلون إلاّ بالخير والبركة والرحمة .
5. أنها سلام لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل .
6. أن الله عز وجل أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة .
تعيين وتحديد ليلة القدر :
اختلف العلماء في ذلك إلى أكثر من ستين قولاً .
لكن الخلاصة هي : إن ليلة القدر في العشر الأواخر في الوتر منها ، أمّا إذا كان الشهر ناقص فإن الأمر يختلف ، فعلى الإنسان أن يتحراها في العشر الأواخر عموماً . ( راجع سطوع البدر بفضائل ليلة القدر ) .
كيفية رؤية ليلة القدر :
1. قيل يرى كل شيء ساجداً .
2. قيل يرى الأنوار في كل مكان ساطعة حتى في المواضع المظلمة .
3. قيل يسمع خطاباً وهتافاً .
4. قيل يسمع الملائكة وتسليمها .
5. قيل أن المؤمن يشعر براحة واطمئنان فيها .
6. يرى علامات ليلة القدر .
علامات ليلة القدر :
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يُرمى به فيها حتى يصبح وإن من إماراتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ " .
الحكمة في كون الشمس تطلع لا شعاع لها :
ذكر القاضي عياض الأندلسي قولين هما :
1. أنها علامة جعلها الله تعالى لها .
2. إن ذلك لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة والعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى " .
الدعاء في ليلة القدر :
عن أم المؤمنين أم عبدالله المبرأة من فوق سبع سموات عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : " قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني " .
وللدعاء شأن عظيم في هذه الليلة ، فقد اهتم به الصحابة وسألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك وغهتم به السلف الصالح ، بل كان منهم من يرى أن الدعاء أحب إليه من الصلاة في ليلتها ، فهذا سفيان الثوري التابعي الجليل يقول : ( الدعاء فيها أحب إليّ من الصلاة . قال : وإذا كان يقرأ فليدع ويرغب إلى الله تعالى في الدعاء والمسألة لعله يوافق ولا عجب في ذلك ، فإن لم يسأل الله يغضب عليه )
تمت وجزاكم الله خيراً